25 يوليو، 2024

المدارس الفلسطينية

الدوحة – قطر

كلمة الأستاذة منال نجم

كلمة الأستاذة منال نجم

كلمة عشق في الوطن الذي أحلم به

الأستاذة/منال عبد الله نجم

أول موظفة بالمدرسة الفلسطينية

مديرة الحسابات

قبل أربعة عشر عاماً من اليوم تقدمت بطلب وظيفة للمدرسة الفلسطينية بالدوحة، ولم أكن أعلم بأنني سأكون أول موظفة لهذه المدرسة التي سكنت جوانحي منذ تعييني وحتى اللحظة.

أربعة عشر عاماً مضت، ومازال قطار فلسطين ينقلني من مرحلة إلى أخرى، قمت بتسجيل بناتي الثلاثة بالمدرسة حتى غدت ” وفاء ” بالصف التاسع، لأكمل معهم مسيرة عشقي للوطن، ولأزرع في كيانهم الوطن الذي تلمسوه بين دفتي الكتاب المدرسي، فأصبحت أعيش معهم يوميات فلسطينية مع كل صفحة من صفحات الكتب الفلسطينية، متنقلة بين يافا وعكا وحيفا، وبين القدس ورام الله والخليل، وصولاً إلى مدينتي ” اسدود ” التي مازلت أحلم فيها  وأحلم أن أعود إليها لأحقق أمنية والديَّ اللذان غادرا إلى حيث الدار الأخرة، فاكتويت بفراقهما.

منذ أن باشرت عملي بالمدرسة، عقدت العزم ألا أغادرها أبداً لأنني أريد أن أبني وطناً داخلي، يعشقني كما أعشقه، يغازلني كما أغازله في كل لون من ألوان الثوب الذي ألبسه في كل مناسبة وطنية لفلسطين، أحببت أن أكون جزءاً أصيلاً من مكوّن هذه المدرسة، أقف صباحاً مع الطلاب والطالبات محيية العلم الفلسطيني، مرددة بالنشيد الوطني، الذي يعزف على وتر التحدي الذي هو سمة من سماتي الشخصية لتحقيق الهدف الأسمى وهو اشتمام رائحة الوطن من زنابق الصباح الندية، من خلال أصوات الطلاب والطالبات وهو ينشدون: فدائي فدائي.

عندما طلب مني الدكتور / يحيى الأغا المشرف على المدرسة ، وصاحب فكرتها ومؤسسها أن أكتب كلمة لتضاف إلى موقع المدرسة، رفضت في البداية، وقلت له: ما أنا سوى موظفة كغيري من الموظفات، ولا داعي لتمييزي عن الآخرين، فكان جوابه، أطلب منك باعتبارك أول موظفة بالمدرسة، عشت معنا الأيام الصعبة، وتحمّلت الكثير من المعاناة، وشاركت في تأثيث المدرسة، وتنظيمها عندما بدأنا في فيلا بسيطة،  فأتمنى عليك نقل مشاعرك للأخرين، وباعتبارك والدة طالبات بالمدرسة، فنزلت عند إصراره، فله كل الشكر والتقدير.

ذاكرة الوطن، أقصد المدرسة باعتبارها الوطن الذي أعشقه،  تحتضن الكثير من الذكريات التي لا يمكن إلا أن تكون سعيدة، ورائعة، حيث تعاملت بداية من أشخاص رسموا لي معالم الطريق الحقيقي، أذكر الأستاذة المرحومة / عائدة شعشاعة أول مديرة للمدرسة، التي تمثل لي نقطة تحوّل في مكوّن شخصيتي، فتعلّمت منها ما سهّل لي حيزاً من مسيرتي، والأخت، الأستاذة /  هالة فرّاح ابنة القدس، سكرتيرة المدرسة،  كانت نعم الصديقة الوفية والمخلصة، وقد غادرتنا إلى القدس بعد أن ترافقنا في العمل قرابة الست سنوات،  وكم أحبّ هذه المغادرة للوطن، إضافة للأستاذة سهاد الشخشير، والأستاذة / إيمان الشريف من أوائل الموظفات، ومازلن يحفرن في عقول الناشئة حب الوطن فلسطين.

 أما الدكتور / يحيى فكان منذ البداية وإلى اليوم مرشداً وموجهاً وناصحاً، وأحسبه من الذين يضحون بأنفسهم لإسعاد الآخرين، ليس فقط معي ولكن مع الجميع دون استثناء، من حارس المدرسة إلى أعلى منصب بالمدرسة، وهذه في تقديري سمة القائد المثالي الإنساني.

مازلت أذكر الحفل المدرسي الأول الذي أشرفت عليه بكل تفاصيله بطلب من المشرف العام، وكان بتاريخ 1/1/2003 بحضور رسمي عالي المستوى من الطرف القطري والفلسطيني، حيث أعددت فقرات فنية لطلاب وطالبات المدرسة وبالتعاون مع المدرسات، ولم نزل في الأشهر الثلاثة الأولى، كنت خائفة جداً، وخوفي نابع من حرصي الشديد من أجل النجاح لتحقيق الهدف من الفعالية، وبدأت الفقرات بعد الكلمات من السفير والوزراء، والمشرف العام، ففاضت أعين الجميع من الحضور بالدمع، كنت أراقب انعكاس ذلك على حضور من أبناء الجالية الذين قدّرتهم  بثلاثمئة شخص احتضنتههم ساحة المدرسة رُغم صغرها، فكان  التصفيق عالياً مع نهاية كل فقرة، فكان هذا إيذاناً بأول اختبار لي عملي بالمدرسة، وأول النجاحات في الطريق، لأصبح موضع ثقة لدى المعنيين بالأمر، ومنذ ذلك اليوم، أقوم بالإشراف على أكبر الفعاليات، بالإضافة إلى عملي الرسمي كمحاسبة مع زميلات لي أعتبرهن من خيرة الزميلات.

على مدى الأربعة عشر عاماً، التعليم والتعلّم بالمدرسة متنوع الطرائق والأساليب، وأرى هذا ماثلاً من خلال متابعاتي  اليومية لأراء المعلمين والمعلمات، حيث الاهتمام العالي من الجميع إدارة ومعلمين وموجهين، ومرشدين، حيث تضم المدرسة منذ البدايات وإلى اليوم خيرة الموظفين، ويتم اختيارهم على أعلى مستوى، حيث أكون جزءاً من هذا المكون السنوي.

لا أريد الإطالة في هذه الكلمة، ولكننا اليوم على عتبات الانتقال إلى المباني الجديدة بمكرمة قطرية سامية، مدرسة عصرية، بكل معنى الكلمة، ليتحقق هذا الحُلم ، ولأكمل المسيرة مع هذا الصرح التربوي والتعليمي العريق الذي آمل أن يمتد لأحفادنا، فهي مدرسة تنبض بالحب، والحياة، والأمل، والتعاون والإخلاص لله أولاً، وللوطن ثانياً. فهنيئاً لكل من يُرسل ابنه للمدرسة، لأنه يحقق الحُلم بتعلّم نوعي، وبناء عقلي، ولغة وطنية متميزة. فكل الشكر لجميع الذين ساندوني ومازالوا، والذين أعمل معهم الأستاذة / زينب مديرة االمدرسة الإعدادية الثانوية، والأستاذة / هيفاء المديرة الإدارية، والأستاذة / نعمة زقوت مديرة مدرسة المرحلة الابتدائية.